أثارت
الدعوى المقامة أمام محكمة القضاء الإدارى لحل جماعة الإخوان المسلمين
عاصفة حادة من الجدل داخل أروقة الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة ..
كان المحامى شحاتة محمد شحاتة مدير المركز المصرى للشفافية والنزاهة قد
تقدم بدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة للمطالبة بإصدار حكم
بحل جماعة الإخوان المسلمين وأكد فى سياق الدعوى أن الجماعة تعمل بلا ترخيص
من وزارة الشئون الاجتماعية وأن وجودها غير قانونى فإما أن تمارس عملا
سياسيا معلنا فتكتفى بحزبها الذى تم تأسيسه حديثا وإما أن تمارس نشاطها
الدينى والاجتماعى ضمن منظومة المجتمع المدنى فتتحول لمنظمة أهلية ولكن
الجماعة لم تقم بتوفيق أوضاعها وفق القوانين المنظمة .. وفى حديثه لبوابة
الشباب قال مقدم الدعوى أنه سيذهب غدا لمحكمة القضاء الإدارى لمعرفة موعد
الجلسة لنظر هذه القضية وذكر أنه لم يناقش فى سياق دعواه مبررات معقولية أو
عدم معقولية بقاء الجماعة فالجماعة ليس لها ترخيص وبقية الجماعات المماثلة
تمارس عملها بترخيص مثل جماعة أنصار السنة المحمدية وهذه المسألة لها
تاريخ والرئيس الراحل أنور السادات طالب قيادات الجماعة بتوفيق أوضاعها
والرئيس السابق أيضا طالب الجماعة بأن تحصل على ترخيص لتزاول نشاطها ولكنهم
رفضوا حتى لا يخضعوا لقوانين الدولة فيما يتعلق بمتابعة ومراقبة حساباتهم
من الجهاز المركزى للمحاسبات وبعد ثورة يناير لم يعد هناك مبرر قانونى ولا
غير قانونى لبقاء الجماعة طالما أصبح لها حزبا تمارس من خلالها عملها
السياسى ولكن أنا شخصيا أرى أن رفض الجماعة توفيق أوضاعها إنما يعكس رغبة
أصيلة فى أن تكون الحديقة الخلفية لممارسة أنشطتها الخفية غير المعلنة.
وأكد مقدم الدعوى أنه فى إطار مطاردة السلطات المصرية للمنظمات العاملة فى
مصر فى قضية التمويل الأجنبى فإن القانون الآن يطالب جميع المنظمات
بتوفيق أوضاعها فإما أن تحصل على ترخيص وإما أن تحل نفسها بنفسها لكن جماعة
الإخوان المسلمين ترفض الانصياع للقانون ولا يصح أن تكيل الدولة بمكيالين
فتتغاضى عن صمت الجماعة أو إصرارها.. وعلى كل حال لو صدر الحكم بحل الجماعة
فسيصبح هذا الحكم أول حكم قضائى من نوعه لأن قرار حل الجماعة المعروف سنة
1954 كان مجرد قرار من مجلس قيادة الثورة ولم يكن حكما قضائيا.. وإذا ما
صدر هذا الحكم فسوف يتم تفكيك مقرات الجماعة وتجميد أرصدتها وحظر استخدام
اسم الجماعة فى أى نشاط علنى.
وقد حظيت هذه الدعوى بتأييد من بعض نواب البرلمان منهم النائبة سناء
السعيد .. وجدير بالذكر أن هذه ليست هى الدعوى الأولى ولن تكون الأخيرة
للمطالبة بحل الجماعة وتصفيتها فقد سبق وأن تقدم المحامى على القسطاوى
بدعوى مماثلة أمام محكمة القضاء الإدارى بالأسكندرية منذ عدة أشهر لحل
الجماعة واعتبار أن وجودها غير قانونى وهو ما دفع المحكمة لتحويلها لهيئة
مفوضى الدولة لإصدار فتوى قانونية فيها.
وقد أثارت هذه الدعوى حالة من الجدل والنقاش داخل الجماعة فهناك من
اعتبرها سخرية أو نكتة سياسية وهناك من وصفها بالكلام الفارغ الذى لا يقدم
ولا يؤخر على حد تعبير المفكر جمال البنا الشقيق الأصغر لمؤسس الجماعة
والذى أكد حسب تقارير صحفية أن الجماعة تكتسب شرعيتها من الشارع على مدار
80 عاما .
وأكد أحمد أبو بركة القيادى بالجماعة والمستشار القانونى لحزب الحرية
والعدالة ان وجود جماعة الإخوان قانونى وأنها ليست جمعية خيرية لكنها تعتمد
على الاشتراكات من أعضائها وتم انشاؤها وفق دستور 1923 كهيئة إسلامية
جامعة لها صفتها وشخصيتها الاعتبارية.
وفى دارسة قانونية نشرها موقع الإخوان دافعت عن الوجود القانونى للجماعة
فذكرت الدراسة أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست في مارس عام 1928 وعملت حتى
مايو 1929 كجمعيةٍ غير مُسجَّلة رسميًّا، ولما احتاجت الجمعية لإنشاء مقر
لها ومسجد ومدرسة لتمارس أنشطتها تمَّ تسجيل الجمعية في سجلات وزارة
الداخلية؛ حيث كانت وزارة الداخلية هي الجهة المنوط بها عمل الجمعيات؛ وذلك
قبل إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية.
وكانت الجمعيات تميز نفسها عن الأحزاب بأن تذكر في قوانينها الداخلية أنها
لا علاقةَ لها بالعمل السياسي، وعلى ذلك عندما صدر أول قانونٍ للإخوان عام
1930 نص فيه أن الجمعية لا تعمل بالسياسة، ولما عُدِّل في عام 1932 نص على
نفس الأمر، وكان المقصود هو السياسة الحزبية أو بمعنى أوضح أنها ليست
حزبًا من الأحزاب السياسية.
ثم حدث خلافٌ فى الأربعينيات بين الحكومة والإخوان فأغراض الإخوان أكثر
بكثير من المسموح به في قانون الجمعيات، ورأت الحكومة أن تستفتي قلم قضايا
الحكومة في صفة الإخوان المسلمين القانونية وتكييف شخصيتهم المعنوية، فقرر
قلم الحكومة في فتواه أن الإخوان المسلمين هيئة دينية اجتماعية سياسية، وأن
قانون الجمعيات الخيرية لا ينطبق عليها لأنه لا ينظم إلا نشاطًا واحدًا من
أنشطة الإخوان، وهو البر والخدمة الاجتماعية، وبناءً على ذلك نظَّم
الإخوان نشاطهم في البر والخدمة الاجتماعية طبقًا لأحكام القانون، وسجلوا
قسم البر والخدمة الاجتماعية كجمعيةٍ مستقلةٍ إداريًّا عن الإخوان المسلمين
وأصبحت فروع ذلك القسم فروعا للجمعية، كما سجلوا فرق كشافتهم وجوالتهم
بجمعية الكشافة الأهلية وطبقًا لأحكام قانونها وكذلك سجلوا شركة المعاملات
الإسلامية في المحكمة المختصة وفي حدود قانون الشركات.
ثم صدر قرار من محكمة القضاء الإداري في 17 سبتمبر 1951 إذ قرر أن جمعية
الإخوان المسلمين تكوَّنت في ظل الحق الأصيل في تكوين الجمعيات الذي أعلنه
دستور 1923م وقرر قيامه، فاكتسبت صفتها القانونية كما تمتعت بشخصيتها
المعنوية من تكوينها وفق المبادئ المقررة من إسناد هذه الشخصية إلى كل هيئة
استوفت عناصرها وتوافرت لها مقوماتها من إرادة خاصة ونظام تبرز به هذه
الإرادة.
وردا على قرار مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة فقد قام الإخوان برفع الدعوى
133 قضاء إداري، وكان رافعو الدعوة كلاًّ من المرشدَيْن عمر التلمساني
ومحمد حامد أبو النصر والدكتور توفيق الشاوي، وطالبوا بإلغاء قرار مجلس
قيادة الثورة بحل الإخوان، واستمرت الدعوى في التداول حتى عام 1992م حين
قضت محكمة القضاء الإداري في 6/2/1992م بعدم قبول الدعوى لعدم وجود قرار
إداري بحل الإخوان، وقررت في حيثيات حكمها:
"أنه من حيث المستقر عليه فقهًا وقضاءً أنه يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن
يكون هناك قرارٌ إداري سواء أكان هذا القرار إيجابيًّا أو سلبيًّا فإذا
انتفى مثل هذا القرار تعيَّن الحكم بعدم قبول الدعوى وإذا ثبت مما سلف ذكره
أن ليس هناك قرارٌ سلبيٌّ يمنع جماعة الإخوان من مباشرة نشاطها، فمن ثم
يتعين والحالة هذه القضاء بعدم قبول هذا الطلب لانتفاء القرار الإداري".
وبناءً على ذلك الحكم التاريخى فإن القضاءَ الإداري أقر من هذا العام بأنه
ليس هناك قرارٌ يمنع الإخوان من ممارسة أنشطتهم ورغم ذلك قام الإخوان برفع
دعوى استئناف لذلك الحكم ولم يحكم فيها إلى يومنا هذا، وهو حكمٌ يحتاج إلى
قرار سياسي أكثر منه إجراء قانوني.